Tuesday, March 20, 2012

تطبيق الشريعة بين الممكن وبين المطلوب 2


بقلم/حمادة نصار أحمد
ذكرت فى مقال لى سابق عبارة نقلتها بالنص 
من حوار دار بين القعقاع ابن عمرو التميمى موفدا عن على ابن أبى طالب وبين طلحة والزبير رضى الله عنهم فى حضور السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها وذلك فى سعيه الدؤوب لنزع فتيل الأزمة المشتعلة وقتها ولا بأس فى تكرارها هنا مرة أخرى تلبية للحاجة الماسة إليها فى السياق وكانت العبارة تتلخص في سؤال وجهه القعقاع إلي كل من طلحة والزبير رضي الله عن الجميع وهو؛ما الذي أخرجكما من مكة إلي البصرة؟فأجباه علي الفور لا علي التراخي قائلين:ما خرجنا إلا للإصلاح.فقال القعقاع:فأخبراني ماوجه هذا الإصلاح؟وكيف السبيل إليه وكيف يكون إن كان؟فوالله لئن عرفناه لنصلحنّ،ولئن أنكرناه لا نصلح أبدا.قال طلحة والزبير :أنّ يقيم عليٌّ الحد علي من قتل عثمان،،هذه كانت الجملة التي ذكرتها في سياق مماثل من قبل واستدعيتها اليوم مرة أخري لتدليل بها علي معني نريد تقريره اليوم ونحن نبحث عن الإصلاح المنشود وعن الآليات الحقيقية للوصول إليه في ظل الدعاوي العريضة التي يدعيها البعض في هذا الشأن حتي المفسدين فسادا بيّناً منهم مصداقاً لقوله تعالي ((وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون))
ونكتة الأمر:أن أمر الإصلاح هو إعادة الأمر إلي الصلاح،ومن ثم تكون معرفة الصلاح هو الأصل الأصيل لعملية الإصلاح التي ننشدها.والتي يمكن تحديد عناصرها في ثلاثة أمور:
الأول:توصيف الحالة القياسية التي ينبغي أن يكون عليها الشئ المراد اصلاحه.فردا،مجتمعاً،آلة....إلى آخره."
الثاني:تحديد جوانب الإنحراف في الشئ المراد اصلاحه عن الصورة القياسية.
الثالث:وجود خطة للوصول بهذا الشئ إلي تلك الصورة القياسية.
وعند تطبيق هذه المعايير علي النص المزكور أعلاه سوف نجد براعة القعقاع بن عمرو في طرحه حيث طالب صاحبيه بتحرير المسألة محل النزاع تحريراً كاملاً دفعاً للبس والغموض ..بل وطلب منهما أن يوصفا الحالة القياسية التي ينبغي أن يكون عليها الإصلاح المنشود الذي هو محل الخلاف بين الفريقين المتنازعين،وكان الإصلاح المطلوب من وجهة نظريهما هو أن يقتل علي قتلة عثمان قصاصاً تطبيقاً لأحكام القرآن الكريم الذي لا يملك أحد الطرفين التنصل منها والتواطئ عليها،ثم انتقل بهما مباشرة إلي البند الثالث وهو خطة الوصول بهذا الشئ الذي يعاني الإنحراف والخلل إلي تلك الصورة القياسية المتفق عليها لدي الطرفين...وقد تلخص ذلك في رؤيته الشخصية للسبل والآليات الصحيحة والممكنة للإصلاح...فقد لخص وجهة نظره في معرض رده علي سؤال أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:وذلك بعد أن نجح نجاحا منقطع النظير في إزالة كل شبهة تعلقوا بها في خروجهم المعروف ،فقال:أري أنّ هذا الأمر دواءه التسكين،فآثروا العافية ترزقوها ،وكونوا أهل خير كما كنتم ،ولا تعرضونا للبلاء فتتعرضوا له،وأري أن تبايعوا علي بن أبي طالب حتي تنتظم له الأمور ،وتستقر في يده الأحوال،وتتعفي شرطته وقوته من أزمتها التي تسبب فيها مأساة الخروج علي الخليفة عثمان وقتلة وما ترتب علي ذلك من انفلات أمني واضح ،وحالة من السيولة السياسية التي لا تخفي علي المتابع للشأن الإسلامي وقتذاك.
فإذا تركنا التاريخ قليلاً وعدنا إلي الحالة الراهنة التي نعالجها اليوم والتي نراها كإسلاميين مرهونة بتطبيق الشريعة الإسلامية التي في إتباعها الخير والصلاح والتي توعد الله من أعرض عنها بقوله((ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمي))بل نراه هو الطريق الحصري والوحيد لإصلاح الفرد والمجتمع..وهذا لا يعني أننا نعرض عن الخبرات الإنسانية في مجالات العلوم الكونية،بل ولا الإنسانية ،لأن الشريعة جاءت مجملة في كثير من الأحيان،وتركت التفاصيل للإجتهادات البشرية المنضبطة بالإطار العام للشريعة.
أما وسائل هذا الإصلاح؛فتأتي عن طريق تعليم الناس،وتعريفهم بهذا الصلاح،فكثير ممن ينحرف عن الصلاح يكون سبب انحراف هو الجهل بمصدر الصلاح كبعض جهلة العلمانيين،وإما بتفاصيله:كحال كثير من الناس ممن يؤمنون بأن الخير كل الخير في تطبيق شريعة الرحمن في حين أنّهم يجهلونها،لكن التعليم وحده لا يكفي،فإنّ كثيراً ممن يخالفون الشريعة يخالفونها بعد علمهم بها بسبب الهوي،ومن ثم فلابد بالإضافة إلي العلم من التربية.
وبهذين الأمرين"العلم والتربية"نتعلب علي عقبات تطبيق الشريعة الإسلامية وهما" الجهل والهوي"
ونترك هذه القضية جانبًا بعض الشيء لنعرِّج على موقع العمل السياسي من منهج الإصلاح الشرعي، فنقول: إن الدعوة إلى الخير قد تُواجه برفض تام -ولا يضرها ذلك-، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ) (متفق عليه)، وقد تجد قبولاً تامًا كما قال الله -تعالى-: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ . فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) (الصافات:147-148).
وقد يكون الأمر بيْن هذا وذاك، وفي مرحلة قبول ما لمنهجك الإصلاحي يطلب منك الجمهور أن تتولى أنت بنفسك تطبيق ما تراه وما تدعو إليه، وصور هذا كثيرة، منها: أن ينتدبك أهل الحي لكي تؤمهم في الصلاة أو تخطب بهم الجمعة، ومنه في صورة العمل السياسي المعاصر: أن ينتدبوك كي تصبح رئيسًا عليهم أو وزيرًا في حكومة، أو عضوًا في البرلمان أو عضوًا في المجلس المحلي مثلاً.
وفي كل هذه الحالات تكون الصورة الصحيحة هو أنك بدأت بالدعوة فاقتنع الناس بدعوتك، ومِن تمام اقتناعهم أنهم يفوضونك في تطبيق ما تدعو إليه؛ إلا أنه قد يحصل في بعض الأحيان -لا سيما في حالة الإسلاميين- أن يكون اقتناع الجمهور بأمانة الداعي لا بمنهجه، أو أن يكون اقتناعهم بمنهجه جزئيًا لا كليًا؛ فهم يريدون الشريعة التي تُحارب الفساد، وتمنع نهب المال العام، ولكن لكل منهم مساحة شهوات لا يريد ممن يسعى إلى تطبيق الشريعة أن يقترب منها، وحينئذٍ تحصل أنواع من المساومات؛ لا سيما مع إلحاح وسائل الإعلام على الجمهور بأن الشريعة سوف تصادم بعض أهوائهم، ولهم في ذلك مسالك.
وقد استفدت في هذا الموضوع كثيراً من دراسة شيقة ماتعة قد أعدها المهندس /عبد المنعم الشحات حفظه الله ونفع بعلمه.وللحديث بقية إن كان في العمر بقية إن شاء الله.

No comments:

Post a Comment